default | grid-3 | grid-2

Post per Page

باكياً حتى ترابه الأخير




  في المرض تتجلى الخسارات بين يديّ الشاعر، ومن ذاكرته المرهقة تخرجُ الخيبات زاحفة على سريره، وعلى جدران غرفته، حتى كأن المرارات بيته، والوحدة التي كان يحسبها ملاذاً وفرحاً، وهروباً من ثقل الآخرين، تستحيل قبراً عظيماً، وقليلون إلى حد الفجيعة من يطرقون بابه بكلمة أو سؤال

 في المرض يعاقب الشاعر نفسه بالقفز عميقاً إلى جحيم الندم. عقابُ العارف متأخراً كيف كانت خطوته إلى الفرح خطوة إلى مصيدة مدبرة لجر قدميه إلى الوهم والأكاذيب. يستعيد تحت وطأة الحمى والغثيان كل التفاصيل التي كانت تبدو عميقة وحقيقية، فإذا هي الفخ الذي نُصبَ له ليشربَ السم، حاملاً طعم ورائحة الخدعة في دمه ولسانه، ماشياً ومنكسراً وباكياً حتى ترابه الأخير

 في المرض يحصي الشاعر جرائمه في حق نفسه، يرتب ما بدده في السؤال والانتظار، في الفقد والحنين، وفي تتبع التافهات من الأمور، والجلوس على ضفة بحر مترقباً روحه الأولى، روحه الي أثقلتها الخيبات حتى نزلت به إلى بطون الحيتان المهاجرة شرقاً وغرباً. على ضفة البحر يبقى أسير أوهامه ناظراً إلى جرائمه، وهامساً في صمت وبرودة سريره الأبيض: لم يقتلني أحد وإنما قتلتُ نفسي بالمحبات التي أهدرتها على الأفاعي في طريقي

 في المرض يختبئ الشاعر من يديه الخاويتين، من قدميه الحافيتين على شوك الذاكرة، من عينيه الصغيرتين اللتين تخزنان تاريخه السري، من أذنيه وما بهما من أصوات البهجات

يختبئ الشاعر من كل محرضٍ في جسده، من كل ما يعيده إلى اللحظة التي فتح فيها باب قلبه للحب، وحين تكبر الحسرة سوداء على سرير مرضه، يشد غطاءه على وجهه، فيما تموت في قلبه حكمة وجوده وفنائه. على لسانه بضع كلمات تجف كما يجف عوده القروي، كأنما يود أن يقول لنفسه: لا تدع البكاء على روحكَ يُعطّل يديكَ.. لوّح بهما بفرح في الوداع الأخير

ليست هناك تعليقات



www.4kamal.com

استقبل جديد تأويل على بريدك الإليكتروني




Error Page Image

Error Page Image

Oooops.... Could not find it!!!

The page you were looking for, could not be found. You may have typed the address incorrectly or you may have used an outdated link.

Go to Homepage